أحوال الكويت

قانون محاكمة الوزراء… مخالفات دستورية وإجرائية

أجمع المتحدثون في ندوة كلية الحقوق بجامعة الكويت، حول قانون محاكمة الوزراء، على أن القانون مليء بالمخالفات الدستورية والإجرائية، مؤكدين أن القانون شكلته الأحداث وليس النص الدستوري، وأنه إذا كان وجوده واجباً فإن إلغاءه أوجب.
الندوة التي عقدت برعاية عميد كلية الحقوق الدكتور فايز الظفيري، ناقشت القواعد التي تحكم المسؤولية القانونية للوزراء عن قراراتهم الإدارية، ومدى كفايتها لمكافحة الفساد في ظل الدستور وأحكام القانون.
وقال الدكتور محمد الفيلي إن المادة 132 من الدستور تلفت الانتباه في شيء وهو انها من النصوص التي جاء تفعيلها ليس وليد الصدفة وإنما كانت وليدة أحداث معينة، حيث إن قانون إنشاء محكمة الوزراء جاء مشابهاً لقانون إنشاء المحكمة الدستورية من حيث تأخر المشرع في إصداره تنفيذا لأمر الدستور، كما أنهما يتشابهان من ناحية ظروف الاصدار بحكم الواقع ولم يفرضه مبدأ المشروعية.
وأضاف الفيلي أنه «بعد التحرير كان هناك تداول لتجاوزات منسوبة لأحد الوزراء، وفي سباق مع الزمن تم اعداد قانون مفصّل على الواقعة، ما أنتج أثراً في نصوص القانون، وهو بالتالي قانون شكلته الأحداث ولم يشكله النص الدستوري. ومن الملاحظ إذا وقفنا على النص الدستوري للتعامل معه، فإننا بصدد نص أجاز الاخلال بمبدأ المساواة، وفي مضمونه رجوع لمبدأ المساواة، فالنص يتضمن تعاملاً مزدوجاً مع مبدأ المساواة، فالفقرة الأولى للنص تتصور أفعالا مؤثمة تنسب للوزراء دون غيرهم ويرتبط بالعمل الوزاري، والارتباط بالعمل الوزاري متروك لخيال المشرع، فالنص لم يضع مذكرة تفسيرية، وأما الشق الثاني من النص فالوزير مثل الخاضعين للقانون في إقليم الدولة يطبق عليه القانون، وما هو مجرم بالنسبة للغير مجرم بالنسبة له، كما أن النص لم يورد كلمة محكمة وزراء، وإنما جاء بقواعد إجرائية خاصة وبالتالي يصعب تطبيق تلك القواعد الخاصة دون وجود محكمة خاصة».
وتساءل «هل يجوز اذا قررنا قواعد إجرائية خاصة أن يحاكم الوزير عن الجرائم العادية أمام هذه المحكمة الخاصة؟»، ورأى أنه لا يوجد ما يمنع إذا كان هناك حالة استصحاب بين الجريمة العادية والجرائم الخاصة بالنسبة للوزراء. واستحضر «مولد قانون محكمة الوزراء بأنه لم يكن لاعتبارات خصوصية منصب الوزير، بل كان لخصوصية وزير بذاته، فعند بدايته كان يتضمن حماية خاصة يكاد يهدد فيها المُبلغ إذا كان بلاغه غير صحيح ممكن الرجوع عليه بالمسؤوليات المدنية والجزائية، وقد تم الغاء هذا النص بتعديل تشريعي. فلماذا لم يحدث منذ صدور قانون محاكمة الوزراء أي إدانة؟ وهل هذا بسبب وجود مشكلة في نطاق التحريات؟ وهل نحتاج للانتقال من فكرة البلاغ إلى فكرة الموضوع لانه من الناحية الواقعية اي مبلغ لا يمكن أن يقدم الادلة كاملة لأنه لا يملك القدرة على ذلك؟ وعندما أدخل النص النيابة العامة طرفاً في القانون فقد أتى النص محيراً بأن تحيل النيابة البلاغ المقدم وكأنما جعلها المشرع إحالة آلية خلال 48 ساعة».
وختم الفيلي بأنه «لا يجب الاندفاع بفكرة تقديم قرابين للفساد أو أخذ الناس بالظنون لتهدئة الرأي العام، فأي نظام قضائي من واجبه مكافحة الفساد دون تضحية بفكرة المشروعية وأصل البراءة، وألا تكون هذه في الوقت ذاته دعوة للتساهل في محاسبة الوزراء، كما يجب تعديل قانون محاكمة الوزراء لا إلغاؤه».
من جانبه، قال النائب الدكتور بدر الملا، أحد المتقدمين باقتراح إلغاء القانون الخاص بمحاكمة الوزراء، إن «القانون الحالي لم يكن الأول في شأن محاكمة الوزراء، فقد سبقه مرسوم بقانون ألغاه المشرع بمجلس 1992. وللمشرع السلطة المطلقة أن يحدد نطاق الجرائم التي يشملها قانون محاكمة الوزراء» مشيرا إلى وجود حالة من اللغط الاعلامي باستنكار إلغاء قانون نص عليه الدستور، وقرر بوجود حالة مشابهة وهي إلغاء قانون المحاكمات العسكرية الذي نص عليه الدستور كذلك في مورد آخر.
وعدد الملا مثالب القانون الحالي، ومنها أن الوزراء السابقين من ضمن الوزراء المعنيين بالقانون، وكأن القانون جاء ليضفي الحصانة على الوزير مثل أعضاء مجلس الأمة، لكن ما الحكمة من شموله للوزراء السابقين والشركاء؟ وكأنه جاء لحمايتهم لا محاسبتهم، فالقانون فيه اعتداء واضح على النص الدستوري الخاص بحق النيابة العامة تولي الدعوى العمومية باسم المجتمع، واختصاصها هنا اختصاص مطلق، وتساءل هل يشمل ذلك رئيس مجلس الوزراء وخاصة في ظل المادة 102 من الدستور التي تقول «لا يتولى رئيس مجلس الوزراء أي وزارة» وفي ظل حكم المحكمة الدستورية في إطار المساءلة السياسية أنه يسأل عن السياسة العامة للدولة لا الاعمال المادية الأخرى.
وأشار إلى وجود مثالب أخرى في القانون متمثلة بخروج جرائم قانون إنشاء هيئة مكافحة الفساد «نزاهة» من نطاق اختصاص محكمة الوزراء، وذلك لأن الجرائم المختصة بها المحكمة محددة، على سبيل الحصر في المادة الثانية، ولا يجوز بالتالي التوسع في تفسيرها لأنها متعلقة بنص جزائي يفسر دائماً تفسيراً ضيقاً.
وأضاف أن القانون منح حصانة للوزراء، ولم يسبق أن رفعت الحصانة عن وزير لمحاكمته، منوها بآلية حفظ البلاغ والتظلم منه والتعقيدات المصاحبة لتلك العملية، وأشار إلى حالة منع المدعي بالحق المدني من التقاضي في مثل هذه القضايا، وخاصة أن وجوده في الدعوى يبرز الجانب المظلم الذي يحاول المتهم إخفاءه على المحكمة. وختم الملا مداخلته بأن المادة العاشرة تتضمن ميعاداً قانونياً لتحديد موعد للمحاكمة، واعتبر أن الاخلال بذلك الموعد يرتب البطلان في المواد الجزائية. وأكد أن قانون محاكمة الوزراء فيه من المثالب ما يثير الدفوع القانونية أكثر من قضايا المخدرات.
بدوره، قال استاذ القانون الجزائي بكلية الحقوق الدكتور حسين بوعركي إن الحكم الأخير الصادر ببطلان تعيين الخبراء أثار مسألة الخطأ الشخصي للوزير وخاصة وأن الدولة لا تحاسب إلا على المرفقي، وخاصة أن هناك إضرارا ماليا قد يترتب على وزارة العدل.
وندد بوعركي بفكرة حماية فلسفة الخطأ المرفقي من دون أن تتطور لفكرة الخطأ الشخصي الموجب لمحاسبة الموظفين العامين عن أخطائهم وتحمل نتاج قراراتهم الخاطئة من أموالهم الخاصة، وأشار إلى أنه يرى أن جرائم الاضرار غير العمد بالأموال العامة تثور بشدة بعد صدور حكم إلغاء تعيين الخبراء بعد ثبوت الخطأ في حكم التمييز الذي صدر أخيراً. وأكد ما ذهب له الملا من عدم دستورية لجنة التحقيق الخاصة بالوزراء وأكد أن الاختصاص يجب أن يرجع للنيابة العامة.

الراي

إغلاق