أحوال الكويت
الوحدة الوطنية… في ترشيد الخطاب الديني ونبذ الخلاف
تتلاطم المخاطر الإقليمية وتنسكب بعض تراكماتها على من يتصيّد في المياه العكرة، لأجل مصالحه الشخصية والانتخابية والطائفية، في محاولة يائسة لهدم سور الكويت وشق وحدتها الوطنية، لكن المجتمع الكويتي يأبى ذلك متصدياً لكل التحديات التي تواجهه في ظل توجيهات القيادة السياسية والحكومة بالتشديد على الوحدة ونبذ الخلافات.
ومع تصاعد التوتر في المنطقة بالآونة الأخيرة، استطلعت «الراي» آراء عدد من رجال الدين الكويتيين في شأن الرؤية التي تحقق ترشيد الخطاب الطائفي المتنامي في المجتمع الكويتي، وكيفية تحقيق الوحدة الوطنية وتعزيزها في ظل التداعيات الاقليمية التي تؤثر في الداخل الكويتي، حيث أكدوا أن الانتماء للوطن هو الأساس في حياة الإنسان، مطالبين بتعزيز الولاء والانتماء للكويت ونبذ الطائفية والفئوية والقبلية والمناطقية وعدم خلط السياسية بالدين والمذهب.
العيناتي
وفي هذا السياق، قال الداعية الشيخ جاسم العيناتي، إن الاصل في الانتماء للوطن هو الأساس في حياة الإنسان واستقرار البلد واستقرار أمن المواطن، فالخطاب في هذه الظروف يجب أن يكون بأسلوب وطني ينم عن الاعتزاز بالوطن والانتماء له ويكون بعيداً كل البعد عن أي طائفية أو مهاترات مذهبية، تؤدي إلى تفكك المجتمع وزعزعة استقرار المواطن والوطن.
وأضاف ان جميع الناس يقبلون الخطاب الوطني، لكن الخطاب الطائفي أمر غير مرغوب به وأثره سلبي على الوطن والمجتمع، مشيراً إلى أهمية الالتزام بالحيادية والابتعاد عن أي مهاترات كلامية تحمل في طياتها النفس الطائفي.
ولفت العيناتي الى «أننا كلما ابتعدنا عن المهاترات ونأينا بأنفسنا عنها وشددنا من أزر وحدة الصف الداخلي للمجتمع للحفاظ على البلاد، نكون ابتعدنا عن الأخطار التي تدور من حولنا في أوضاع غير مستقرة».
الحاي
من جهته، قال الداعية الشيخ حاي الحاي، «يجب أن نعلم أن الاصل في المهاترات الطائفية الفتن والمحن التي تعصف بالأمة الاسلامية، فإذا أردنا ان نعالج هذا الأمر علينا أن نعود الى كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، ومن ثم الى فهم الصحابة الكرام للآيات القرآنية التي تأمر بالاجتماع ونبذ الفرقة».
وأضاف ان على المسلمين، حكاماً ومحكومين، اللجوء الى الله فهو الكافي والشافي في درء أو دفع ما نعانيه من الفتن الظاهرة على الساحة الاسلامية، والتي عصفت في المسلمين تدميراً واحتلالاً واختلافاً في الرأي وهذا لا يتم إلا من خلال العودة للكتاب والسنة.
وذكر الحاي ان النبي صلى الله عليه وسلم في حديث في مسند الامام احمد من حديث أبي واقد الليثي قال «ستكون فتنة» فقالوا كيف بنا يا رسول الله؟ وكيف نصنع؟ قال «ترجعون الى أمركم الأول»، والامر الاول هنا هو العودة الى فهم الصحابة والتابعين، وان الدين عند الله الاسلام، وعلينا ان ننظر إلى المصالح والمفاسد، وهل من المصلحة القيام بالمظاهرات وشق وحدة الصف الاسلامي؟.
وأضاف: نحن نحتاج إلى تعزيز اللحمة الوطنية في ظل ظروف اقليمية صعبة يجب علينا أن ننعطف فيها إلى الوطن الحبيب لحمايته من التحديات المحيطة به خارجياً، فالكويت يجب على المسلم فيها السني والشيعي والليبرالي والوافدون الذين يعيشون على ارضها أن يحافظوا عليها وعلى لحمتها الوطنية، داعين الله أن يرفع عن المسلمين الغمة.
حسين
أما الشيخ أحمد حسين فرأى أن الأوضاع الإقليمية والدولية ساخنة جداً ومعقدة وتتعامل معها الدول بحذر شديد، أما الأفراد فمهما كانت مستويات إدراكهم السياسي، فإنهم لا يملكون إلا الجانب التحليلي، ناصحاً بتوخي الدقة في التحليل وعدم نشر الإشاعات وعدم إرباك الناس لأن جبهتنا الداخلية متماسكة ولكنها تحتاج للاستمرار كذلك.
وأضاف أننا مطالبون بالرقي في المعاملة بيننا، ونحن أسرة واحدة تعيش على هذه الأرض الطيبة مهما تعددت مشاربنا وثقافتنا الاجتماعية والدينية والمذهبية، ويجب أن نؤمن بأن وحدتنا هي سبيل النجاة وصون أمن هذه البلاد الطيبة التي يجمعنا بها مصير واحد.
وقال حسين إن رؤيتي لوقف الخطاب الطائفي تتمثل في تنمية وعي المجتمع بعدم خلط السياسة بالدين والمذهب، وعلينا أن نعزز احترام الآخر ولغة وثقافة الحوار في ما بين أطياف المجتمع، وعلينا عدم استخدام المواقف السياسية لإهانة من يختلف معنا في الرأي، وعدم التصريح بأي مواقف تتعلق بالسياسات الخارجية بشكل استفزازي أو طائفي، ويجب على الحكومة مخاطبة الشعب الكويتي عن طريق ناطق رسمي نشط أولاً بأول لتوجيه الرأي العام من دون الدخول في التجاذبات «التويترية».
الجاسمي
بدوره، قال عضو هيئة التدريس في الهيئة العامة للتعليم التطبيقي الدكتور جاسم الجاسمي، إن أي مجتمع انساني تتعدد الانتماءات فيه، لكن القاسم المشترك فيه والذي يجمع الجميع هو الانتماء والولاء للوطن الذي هو المظلة التي يستظل بها المجتمع، وأعني بذلك مظلة الكويت، فالواجب أن نحمي الوحدة الوطنية لبلادنا من أي محاولة سلبية تحاول هزّ بنائها أو إشعال الفتنة الطائفية بين أفراد الأمة.
وأكد أن تعزيز الوحدة الوطنية هو واجب شرعي ووطني في ظل التداعيات الاقليمية، وعلينا أولاً أن نعتمد سياسة شرعية من خلال الخطاب الديني القائم على بيان أهمية تعزيز الوحدة الوطنية رغم وجود أي اختلاف مذهبي أو طائفي، وأن على الجميع أن يجعل الانتماء للكويت ومصلحتها أساساً له في خطابه وحواره مع بقية أفراد المجتمع، وأن يستوعب الجميع وجود الاختلاف الديني القائم على الاحترام المتبادل وحفظ حقوق الآخرين.
وأشار الجاسمي الى أنه علينا أن نوصل رسالتنا ومفادها أن كل ما يؤدي الى ائتلاف القلوب ومودتها واجتماع النفوس وتآلفها هو مطلب شرعي ضروري، وأن كل ما يؤدي الى شق الصف واختلاف الكلمة وتمزق المجتمع هو أمر مُحرّم في دين الله تعالى، وعلينا أن نعتمد سياسة تقوم على مبدأ احترام الحقوق وأداء الواجبات وأن نعتمد سياسة إعلامية راشدة تتبنى قِيَم المجتمع وتتصدى بعمق ومسؤولية لكل ما من شأنه أن يهدم جدار الوحدة الوطنية.
وأضاف انه لكي نعزز وحدتنا علينا أولاً رفع مستوى الوعي بما يحدق بالوطن من أخطار وهجمات شرسة تمس وحدته، من خلال كل مؤسسات الدولة المختلفة، وعلينا كذلك بيان أعظم النعم وهي نعمة الأمن والأمان التي يجب على العقلاء شكر الله عليها لتدوم ومراعاتها لتبقى، مطالباً بتجنب ما يثير الخلاف ويورث الشقاق بين الناس من خلال تبادل الإساءات والاتهامات عبر وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، وعلينا الترفع عن أي نزاعات أو خصومات بين أفراد المجتمع الكويتي، مشيراً إلى أهمية الابتعاد عن الخطاب الحزبي الذي يثار في مثل هذا الوقت والكف عن نشر الإشاعات المحبطة والأخبار المرجفة، التي تؤثر في الوطن وكذلك عدم السماح بأي فعاليات طائفية أو استضافات مذهبية من شأنها أن تنقل القضايا العالمية السلبية الى الداخل الكويتي، وأن تؤجج نار الفتنة وتشعل الفرقة من قبل شخصيات عامة ورموز مذهبية، كما أن علينا أن نستحضر دائماً وأبداً أن الكويت أمانة في أعناقنا.
كاظم
من جانبه، قال الشيخ عمار كاظم: يقول سبحانه وتعالى: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا) فلا يوجد دين كالإسلام يدعو إلى الوحدة والتعاون والتكافل، ويحذّر من الفرقة والخصام والخلاف، فالعالم الذي يبشّر به الإسلام، هو عالم يسوده التعارف والتعاون والمحبّة والسلام، بعيداً عن البغض والكره والظلم والتعصب والاستغلال والحروب والخلاف والشقاق، مبيناً أنّ إحدى جماليات التعاليم الإسلامية، هي في تأكيدها على مفهوم الوحدة: وحدة الجنس البشري، وحدانية الله ووحدة الرسالة ووحدة الأديان، ووحدة الأوطان. والمسلمون يستطيعون أن يدركوا ذلك لأنّهم متُحدون تحت لواء الإسلام، مع أنّ معظمهم قد يكون من بلاد وألوان وأجناس، ولغات مختلفة.
وأضاف انه حتى يتم تحقيق الوحدة الوطنية في ظل التداعيات الإقليمية والخطاب الطائفي الذي يؤثر في الداخل الكويتي، يجب معرفة كيفية التعامل الصحيح للتخفيف من حدة هذه التداعيات من خلال فهم أنّ الإسلام يحضنا على الاختلاف البنّاء، ويأمرنا أن نبحث عن المشترك مع الآخر، وأنّ مبدأ الاختلاف الفكري بين بني البشر، قديم قِدَم الإنسان على هذه الأرض، أراد الله سبحانه وتعالى للناس أن يعيشوا غنى التنوّع في العقل وفي الفكر وفي التجربة وفي حاجات الحياة، ومن الطبيعي أنّ اختلاف هذه الحاجات واختلاف الأفكار والتجارب لابدّ أن ينتج اختلافاً بين الناس.
ولفت كاظم الى أنّ الاعتراف بالآخر هو جوهر التسامح الديني والسياسي والاجتماعي، والإنسان عندما ينطلق في حياته الاجتماعية فإنّ لسانه هو وسيلته للانفتاح على الآخرين في مشاعره وعواطفه وفي حاجاته وحواراته وجدالاته وفي دعوة الآخرين إلى ما يؤمن به، وأنّ الشريعة الإسلامية تدفع بالمسلمين لإشاعة روح الأخوّة في ما بينهم، وعلى هذه المفاهيم تتحقّق الوحدة بين المسلمين بالاحترام والمحبّة المتبادلة.