أحوال الكويت
خبراء قانونيون: «مخاصمة القضاء» والتماس النظر بالأحكام الجزائية واستقلال «القضاء» مطالب ملحة للعدالة
أكد عدد من الخبراء القانونيين أن إقرار قانون مخاصمة القضاء مطلب ملح وضروري، لاسيما أن القضاة بشر قد يخطئون ويصيبون، لافتين إلى أن التعذر بحجية الأحكام القضائية، وبأن الحكم هو عنوان الحقيقة لا يقلل أهمية وضرورة إقرار ذلك القانون في سبيل تحقيق العدالة التي يتوخاها الجميع. جاء ذلك خلال حلقة نقاشية نظمتها «الجريدة» عن «ضمانات المحاكمة العادلة في القوانين الكويتية»، حضرها وكيل محكمة التمييز ورئيس جهاز التفتيش القضائي السابق المستشار فيصل الخريبط، ورئيس جمعية المحامين الكويتية السابق المحامي عبدالله الأيوب، وأستاذ القانون المدني في كلية الحقوق بجامعة الكويت د. فايز الكندري، وأستاذ قانون الجزاء في كلية الحقوق بجامعة الكويت د. حسين بوعركي. وتضمنت الحلقة ثلاثة محاور، تتمثل في مدى تحقق العدالة في المنظومة القضائية، وأهمية إقرار قانون مخاصمة القضاء، ومدى جودة الأحكام والقضاة ومعاونيهم… وفيما يلي التفاصيل:
المحور الأول: هل تحققت المحاكمات العادلة في محاكمنا بعد تطبيق دام أكثر من 50 عاما لقوانين الإجراءات والمحاكمات الجزائية أم تحتاج تلك القوانين إلى مراجعات وتطوير؟
في البداية، قال المستشار فيصل الخريبط إن مفهوم العدالة يختلف من قاض لآخر حسب التطور الفكري والعلمي، فكثير من القضاة يخلطون بين العدالة في مفهومها الضميري ومفهومها المدني، موضحا أن القضاء المدني، مثل التجاري والأحوال والعمال، قد يقول القاضي فيه إنه حكم ضميره وعدل في القضية، على خلاف القضاء الجنائي الذي يبحث في الفكر الضميري والوجداني.
وأكد الخريبط أن الأحكام الجنائية تنطق من وجدان المحكمة واطمئنانها وثقتها، مبينا أن هناك خلطا بين العدالة في الورق والوجدان، ومن ثم فإن جزءا من العدالة منفصل في الورق عن الوجدان، فالقاضي الجنائي يملك، أيا كانت الأوراق التي تحت يده، ضميرا ووجدانا قد يطمئن لشاهد أو للمتهم أو للمجني عليه، أو يطمئن للأوراق كلها بغض النظر عما إذا كانت رسمية أم لا.
وأضاف: أما القضاء الثاني فهو قضاء ورقي، وبالتالي فإن العدالة مرتبطة بأمرين، أمر وجداني وآخر ورقي، وهذه هي الفكرة العامة في موضوع العدالة، مؤكدا أن مفهوم العدالة ليس ضيقا حتى يتم حصره في يوم أو سنة أو سنتين أو خمسين عاما، بل هي منظور أكبر من ذلك، وبالتالي على مساعدي القضاة أن يكونوا على استيعاب تام لجميع الأمور المختصة بالقضية.
وبين انه من هذا المنطلق قد يكون قاضي الدرجة الأولى أكثر فهما من قاضي التمييز، وقد يكون الأخير أكثر فهما للعدالة من قاضي الاستئناف والعكس، فهي ليست معيارا ثابتا بدليل أن كثيرا من القضايا، سواء الجنائية أو غيرها، قد تكون لها وجهة نظر ربما قانونية في التمييز، وقد يأخذ قاضي التمييز بما ورد أمام محكمة أول درجة في هذا المفهوم، لافتا إلى أن العدالة غير مرتبطة بهيكلة القضاء وعلوه، بل هي ثقافة وجدانية وعلمية معا.
وعما إذا كانت التشريعات الموجودة خلال حقبة 50 عاما تحتاج إلى تعديل وتطوير لأنها تعوق تطبيق العدالة، قال إن التربية تنقسم إلى تعلم وتعليم، والأول يتمثل في نشأة الطفل في كنف والديه على سنن معينة، أما التعليم فيختلف ما يكتسبه عما ورثه من سلوك، وهذا أمر طبيعي، وبالتالي لابد أن يكون هناك تطوير في كل المسائل، فالجمود خصوصا في قواعد العدالة لابد من كسر نطاقه، والانتقال إلى مرحلة أخرى تختلف عن مرحلة أبنائنا وآبائنا.
وأكد أنه من الطبيعي أن تتغير السنن، وليس صحيحا التذرع بما يسمى ثوابت المجتمع أو ثوابت الامة، فهناك تغييرات قد تحصل في المجتمع تخلو منها بعض القواعد القديمة، ومن هنا تتطلب التطوير، لأن قواعد العدالة ليست منحصرة في بوتقة معينة أو دائرة معينة.
ولفت إلى أن القاضي قد يقف عاجزا أحيانا بسبب فراغ التشريع، ويشعر بأنه محبوس في بوتقة قديمة لا يستطيع الخروج منها، ومن ثم يستخدم الحلول الأخرى الأقرب ليخلق شيئا جديدا لفهمه للعدالة.
الحرية والمساواة
من جانبه، قال المحامي عبدالله الأيوب إن هناك قصة تتعلق بموضوع الحلقة تتمثل في أن رجلا في عهد الخليفة عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، أتوا به من السوق متهمين إياه بالسرقة، وهو اشعث الشعر ويبدو عليه الخوف، فقال عمر لمن أتى بالرجل: أراكم قد روعتموه، وكان يكفي أن تسألوه: هل سرقت وإلا فاتركوه.
وأوضح الأيوب أنه بالنظر إلى هذه القضية إلى جانب الحديث الشريف الذي يقول فيما معناه من بات آمنا في سربه، معافى في بدنه، عنده قوت يومه، فقد حيزت له الدنيا بحذافيرها، فإن الاطمئنان لوجود العدالة شيء مهم.
وأفاد بأن الدستور وضع دعائم وأساسيات يقوم عليها مبنى العدالة، منها الحرية والمساواة، وهي تنعكس بالضرورة على القضاء وعلى السلطة التنفيذية، وعلى السلطة التشريعية، وهي المنهل الذي يفترض من الجميع أن ينهلوا منه لتحقيق المراد الدستوري، وإلا أصبح الدستور زينة وعبثا.
وأضاف أنه في الحقيقة عند وضع الدستور والقوانين كان المجتمع أقرب إلى البداوة منه إلى الحضارة والتمدن، ومن هنا راعى المشرع أن تصدر القوانين بطريقة تأخذ المواطن برفق إلى عهد المدنية، فمثلا خص الدستور النيابة العامة بالجنايات، ومع ذلك لا يعرف المواطن هذا الشيء، ومع مرور 60 عاما لم يتغير شيء من المنظومة.
وأردف: نشهد هذه الأيام توسعا لدور المحققين في وزارة الداخلية، ومع تقديرنا لعملهم إلا أنهم ليسوا وكلاء نيابة، فطريقة تثبيت وكيل النيابة وأخذ المواثيق عليه تختلف عنها بالنسبة للمحقق، فالأخير رتبة عسكرية وأدى اليمين أمام وزير الداخلية أو وكيل الوزارة، ومع ذلك تم إعطاؤه عباءة وكيل النيابة في الجنح، والأمر الآخر أن وكيل النيابة لا يستطيع ندب أحد رجال الضبطية القضائية، كشرطي أو عريف في جزء من اختصاصاته، في حين يستطيع المحقق ذلك، وله جميع الصلاحيات والامتيازات، وفق قانون الإجراءات الجنائية، التي تساويه بوكيل النيابة، مؤكدا أن ذلك الأمر لم يعد له مكان، إذ يشكل ظلماً ويستغل أسوأ استغلال.
وبين أن دور وكيل النيابة واضح وصريح مع المتهم، ويرحب دائما بوجود محام مع المتهم، على عكس المحقق الذي لا يسمح بوجود المحامي مع المتهم أو المجني عليه إلا بعد التبين من صفة الشخص الذي أمامه وما إذا كان متهما أم مجنيا عليه، مطالبا بضرورة تغيير هذا الوضع الذي أكل عليه الدهر وشرب، فالاستثناء أدى دوره طوال ستين عاما وأعتقد ان هذه مدة كافية لتغييره.
وذكر أنه بما أن العدل والمساواة من دعائم المجتمع فمن الأولى بعد مرور ستين عاما أن نعيد النظر في هذه الدعائم وتجديدها وتحديثها، مطالباً بإعادة تلميع الوثيقة الدستورية التي هي محل اعتزاز الجميع.
ولفت إلى أن المادة 8 من الدستور أناطت بالدولة بدءا من سمو الأمير مرورا بالمؤسسات التي تتبع النظام، وهي مجلس الأمة ومجلس الوزراء والسلطة القضائية، أن تصون دعامات المجتمع من الحرية والعدل والمساواة، وتكفل الأمن والطمأنينة للمواطنين.
وذكر أن المادة 30 من الدستور شددت على أن الحرية مكفولة للأشخاص، مؤكدا أن مسألة تحقيق العدالة تتطلب بحثاً كبيراً من المعنيين في الدولة.