أحوال الثقافة والفن
بيت الكويت في القاهرة يسرد تفاصيل قصة نجاح كويتية
أصدر الكاتب مظفر عبدالله راشد كتاباً جديداً بعنوان «بيت الكويت في القاهرة»، رصد فيه نبض المجتمع الكويتي وتوقه للثقافة والعلم والتنمية والتنوير.
يتضمن كتاب “بيت الكويت في القاهرة” الصادر عن ذات السلاسل، دراسة أعدها الكاتب مظفر عبدالله راشد متتبعاً قصة نجاح كويتية ذات صلة بظروف المجتمعين المصري والكويتي في آن واحد في منتصف أربعينيات القرن الماضي.
وعن هذه الحكاية يقول راشد:” تعتبر هذه القصة رمزاً جلياً لعزم الكويتيين على العمل في أقسى الظروف وأقلها في الإمكانات والموارد. هي قصة نجاح حقيقية لأكثر من سبب، أما الأول فكان لرغبة صادقة من المتنورين في المجتمع الكويتي ممن رفضوا التخلف والجمود وعملوا على المضي في ركب الحضارة العالمية من خلال بوابة الثقافة والتعليم. وثانياً لإدراك هذه الفئة الواعية مغبة الاستمرار في منظومات التعليم البدائية (الكتاتيب والمطوع) رغم بعض الإيجابيات التي سجلتها في حينها وفي إطار ظروف المجتمع آنذاك، وثالثاً تلمس قادة الفكر والرأي والحكم ضرورة بناء الدولة ومساعدتها في نيل استقلالها السياسي، ولتكون دولة ذات سيادة في منظمات المجتمع الإقليمي والدولي، وقد حصل ذلك فعلاً من خلال عضويتي جامعة الدول العربية، والأمم المتحدة بعد نيل الاستقلال عام 1961 وبناء دولة المؤسسات الذي جاء بعد إنجاز مشروع دستور الدولة عام 1962″.
إشعاع فكري
وأضاف راشد:” تكشف قصة (بيت الكويت) في القاهرة عن نبض المجتمع الكويتي وتوقه للثقافة والعلم والتنمية والتنوير منذ بواكير القرن العشرين، وإيمانه بأهمية بناء المؤسسات التي تدير هذه الشؤون بشكل مهني جيد. وتشهد هذه القصة الرائعة بكل تفاصيلها التي حاولنا جاهدين الإحاطة ببعض جوانبها أن نثبت كم من الرجال والنساء في تاريخ الكويت ممن ساهموا بشكل شجاع وراسخ إعانة هذا المجتمع لأن يكون مركزاً للإشعاع الثقافي والفكري في المحيط العربي بل وملاذاً لكل مظلوم ومنفي من دياره لأسباب سياسية أو اجتماعية وقد شهد التاريخ بالعديد من تلك الأسماء”.
بناء الدولة
ويتحدث راشد عن مجلة البعثة قائلاً إنه ” يتبين من مجريات الأمور التي أَرَّخت لها مجلة (البعثة) الكويتية الصادرة عن “بيت الكويت” في القاهرة كيف أن فكرة روح الفريق الواحد ودعم القيادة السياسية لمسألة الثقافة والتعليم ساهما في دفع مكانة البلاد إلى مستويات مرموقة أقنعت العالم بأن هناك دولة صغيرة في شمال الخليج العربي تستحق أن تكون عضواً في منظمة الأمم المتحدة، وكان لهؤلاء الرجال الذين أدارو مؤسسة (بيت الكويت) دوراً محورياً في بناء الدولة بعد استقلالها من خلال استمرارهم في العطاء حتى فارقوا الحياة، فكانوا خير مثل لمفهوم المواطنة والعمل المتواصل دون كلل”.
ويتابع:” لقد حاولنا جمع العديد من مصادر المعلومات المتناثرة في الكتب والمراجع التي تناولت على عجل ملف (بيت الكويت) في القاهرة لكن الحق يقال، فقد كانت أعداد مجلة (البعثة) الكويتية التي صدر عددها الأول في ديسمبر 1946 معيناً لنا في رصد التحولات الاجتماعية والفكرية والتعليمية والثقافية والسياسية والنفطية في الكويت بما تزخر به من أقلام الكُتّاب وأبواب متخصصة وآراء حرة وشجاعة تكشف عن أجواء الحرية التي طالما تمتع بها أهل الكويت”.
منارة ثقافية
ويستطرد في الحديث عن أهمية “بيت الكويت”، وكيف أن “بيت الكويت في القاهرة” كان بحق منارة ثقافية قبل أن يكون مكاناً لرعاية الطلبة المبتعثين، فهو مكان أثرى من أقاموه العلم والفن والثقافة بشكل عام، تربى فيه الطلبة على أحسن ما تكون عليه صور التربية الشاملة.
ويكفي الاطلاع على أعداد تلك المجلة حتى نلمس الجهود المضنية التي كان يبذلها القائمون على البيت دون كلل وملل من أجل رفعة شأن الطلبة الكويتيين. ولقد كان هذا البيت ملاذاً للأدباء والمفكرين والشعراء من مصر والبلاد العربية إضافة إلى أهل الفكر من الكويتيين وحدث أن افتتحه الرئيس المصري السابق جمال عبدالناصر في مناسبة شهيرة مع قادة التنوير الكويتيين، وإنه لمن باب رد الجميل وقول كلمة الحق فقد كان لمركز البحوث والدراسات الكويتية بقيادة
أ. د. عبدالله يوسف الغنيم الدور الكبير في الحفاظ على أعداد مجلة البعثة التي نعتبرها شاهداً وموثقاً لمسيرة المجتمع الكويتي خلال فترة صدورها 1946-1945 ليس في التعليم فقط بل في مسيرة الحياة العامة لشعب الكويت من خلال ما نشر في المجلة من قضايا وحوارات وأخبار وصور وأحداث”.
ويشير راشد إلى فطنة رجالات الكويت آنذاك، ويقول ضمن هذا الإطار:” تنبئ الأحداث والتطورات التي رافقت رعاية الدولة والمجتمع للشأن التعليمي والتربوي كيف أن رجالات الكويت الأوائل انتبهوا إلى مسألة مهمة، وهي دمج مسألة التعليم في إطارها الأوسع وهو إطار الثقافة فكان “بيت الكويت” شعلة في الإدارة والاهتمام بشؤون الطلاب المبتعثين والمسرح والمنتديات الحوارية الدورية والموسيقى والفكر والكتاب والصحافة فكان بحق مركزاً ثقافياً مبهراً. ومن هذا البيت خرج العديد من رواد النهضة الكويتيين في عصر النفط والذين كان لهم دور بارز -من خلال جهودهم- في بناء الدولة وقيام نهضتها.
محاور الدراسة
ويعدد راشد محاور الدراسة، والتي اشتملت على: الكويت… البشر والموقع، “وفيه تحدثنا عن أثر الموقع الجغرافي على السكان وتفاعل أفراد المجتمع الكويتي مع مجريات الأحداث فيه، إضافة إلى وصف طبيعة الحكم السائدة والتي ساهمت في سير المجتمع نحو التقدم. وثانياً المناخ الثقافي السائد في بداية القرن العشرين وبداية ظهور مؤشرات الاهتمام بالشأن الثقافي على مستوى أهلي في مجالات التأليف والنسخ والصحافة وبناء المدارس النظامية والنوادي الأدبية في ظل بيئة شبه نظامية من الناحية الإدارية، وثالثاً المرور بلمحة سريعة على أوائل رواد العلم الكويتيين أواخر القرن التاسع عشر، ورابعاً، التطرق إلى بداية فترة التعليم شبه النظامي وتأثير ذلك على خلق حراك فكري متنور بداية القرن العشرين، وخامساً، الحديث عن دخول الكويت بداية ثورة التعليم عام 1963 وإنشاء مجلس المعارف مما قاد إلى حركة نشيطة بفضل جهود الشيخ عبدالله الجابر الصباح. وسادساً، وهو الحدث الأساس في هذا الكتاب، ولادة “بيت الكويت” في القاهرة، وظروف إنشائه وقصة تطوره والشخصيات الأبرز في تأسيسه، وسابعاً، شرح الموقف البريطاني غير المواتي للرغبة الكويتية في إدارة التعليم بأيادٍ وجهود محلية، واستعراض تقارير التعليم البريطانية عن الحالة الكويتية وهما: تقرير فالانس 1939 وتقرير إف. جي ويلكن المستشار الثقافي في دائرة المعارف عام 1945 ، وثامناً، الحديث عن مولود “بيت الكويت” في القاهرة وهي مجلة “البعثة” التي سطرت أعدادها في الفترة من 1946- 1945 سجلاً صحافياً وإعلامياً رائعاً حفظ ذاكر المجتمع الكويتي في مجالات التعليم والثقافة والأدب والسياسة والاقتصاد والحياة الاجتماعية بشكل عام، وتاسعاً، التطرق للأدوار الرئيسية لأربعة من الشخصيات الفذة التي أدارت “بيت الكويت” ومهدت لنهضة تعليمية وثقافية مشهودة وهم، عبدالعزيز حسين، وأحمد مشاري العدواني، وحمد عيسى الرجيب، وعبدالله زكريا الأنصاري. وعاشراً استعراض شهادات عدد من الأدباء وأصحاب الفكر في دور بيت الكويت في القاهرة في الحراك التعليمي والثقافي، والمكانة التي أخذتها مجلة البعثة في المجتمعين الكويتي والمصري آنذاك وهم أ.د. عبدالله الغنيم، وأ. د. سليمان الشطي، وأ. الإعلامية القديرة فاطمة حسين.
استقلال الدولة
وتمنى راشد “أن يكون هذا الجهد قد أسهم ولو بجزء يسير في توضيح دور هذا البيت، على أن استكمال الأجزاء الأخرى ربما يكون أكثر أهمية ومنها ما يمكن أن يصاغ في سؤال: كيف يمكن تفسير فكرة “بيت الكويت” في القاهرة من أنه مؤسسة لرعاية الطلبة والمبتعثين وربط ذلك بالأثر الجذري الذي حققه -من خلال نماذج الرجالات الفذة- في تسيير عجلة استقلال الدولة وتعجيل إجراءاته ومن ثم الدخول بكل جد ونشاط في بناء المؤسسات؟”
الجريدة