أحوال الأسرة والطفلمقالات وكتاب
«الأميّة»… عنوان الاستقرار الأسري في الكويت
فيما تحاول الكويت، جاهدة، تأمين طبيعة تعليم مناسبة وذات مستوى جيد لمواطنيها، ومحاربة التسرب الدراسي وما يخلفه من تداعيات على محاربة الامية، حتى حققت فيها إنجازات مشهودة، جاءت إحصائية صادرة عن «التوثيقات الشرعية» في إدارة الاحصاء والبحوث التابعة لوزارة العدل، لتؤكد أن للأمية جانباً إيجابياً في الناحية الاجتماعية يتمثل بدوره اللافت في تحقيق الاستقرار الأسري.
فقد كشفت الإحصائية التي حصلت عليها «الراي» أن الأميين أقل الفئات في المجتمع تسجيلاً لحالات الانفصال، حيث بلغ عددهم 20 حالة فقط خلال العام 2018، مقابل أعلى نسبة للطلاق سجّلها حملة الشهادات الجامعية، بـ1766 حالة طلاق، لتنخفض عند حملة الشهادة الثانوية إلى 1041 حالة طلاق، وأيضاً عند الحاصلين على شهادة المرحلة المتوسطة الذين بلغ عدد حالات الطلاق لديهم 601 حالة، بينما سجل حملة شهادات المرحلة الابتدائية أدنى نسبة، بـ53 حالة، الأمر الذي يعطي دلالة على أنه كلما قلت نسبة الثقافة والتعليم، زادت قوة الترابط بين الأزواج.
كما توقعت الاحصائية أن ترتفع حالات الطلاق خلال السنوات الخمس المقبلة، حيث رجحت أن يسجل العام الحالي نحو 8642 حالة طلاق كحد أقصى، فيما تسجل 9050 حالة في العام 2020، و9399 في العام 2021، و9716 في العام 2022، فيما تكون النسبة المتوقعة الاكبر العام 2023 بتسجيل 10014 حالة كحد أقصى.
وبينت إدارة التوثيقات التشريعية أن الحد الأعلى للعدد المتوقع بدرجة ثقة، بلغت نسبته 95 في المئة، مما يشير إلى حدوث «كارثة» تهدد المجتمع وتساهم في تفككه.
«الراي» وضعت هذه الاحصائيات بين يدي أصحاب التخصص، لمعرفة أبرز الأسباب التي تساهم في ارتفاع معدلات الطلاق بين المتعلمين، وتقلصها بين الأميين والأقل تعليماً، فقال عميد كلية العلوم الاجتماعية في جامعة الكويت الدكتور حمود القشعان إنه خلال الألفية الجديدة ارتفعت نسبة التعليم في الكويت، حيث بلغ عدد الطلاب في جامعة الكويت 38000 طالب، كما أن الهيئة العامة للتعليم التطبيقي تقوم بقبول أوراق 15 ألف طالب وطالبة سنوياً في مختلف الكليات، إضافة إلى وجود 8 جامعات خاصة تستقطب الطلبة في الكويت، كما تتيح الحكومة الكويتية ووزارة التربية والتعليم العالي للطلبة الفرصة في الالتحاق بالجامعات العالمية عن طريق الابتعاث الخارجي، مشيراً إلى أن المجتمع الكويتي هو مجتمع شبابي وجامعي.
واعتبر القشعان أن ظاهرة طلاق الجامعيين أمر قديم عانى منه المجتمع الكويتي وما زال يعاني منه حتى اليوم، وأكد أن أسباب تفاقم هذه الظاهرة يعود إلى أسباب عدة، أهمها أن الزواج بالنسبة للمتعلمين ليس زواجاً يهدف إلى التأمين الاقتصادي بل إلى التأمين العاطفي والاجتماعي، لافتاً إلى أن المرأة قديماً كانت هشة ثقافياً واقتصادياً مما دفعها إلى التمسك بالزوج خشيةً من مواجهة صعوبات الحياة، مما يساهم في استمرارية الزواج رغم عدم سعادة الطرفين بحياتهم الزوجية.
ورأى أن المرأة الكويتية اليوم لم تعد تؤمن بولاية «التبعية»، بل باتت شريكة للرجل والزوج في جميع مجالات الحياة، ومن هذا المنطلق، أكد أنه عندما يشعر أحد الزوجين بعدم الرضا، والاستقرار النفسي، والراحة النفسية، يصبح الطلاق أحد الحلول الأساسية لهما.
وعن ظاهرة منتصف العمر، بيّن القشعان أنه إذا حدث الطلاق ضمن السنوات الأولى من الزواج، أو بعد مرور 20 عاما، فلنعلم أن هناك ظاهرة تسمى «بأزمة منتصف العمر»، التي قد يعاني منها الزوج أو الزوجة عندما يقدم للطرف الآخر أكثر مما يأخذ، وأكد أن عند بلوغ أحدهما هذا الحد، تكون فرصة الطلاق بينهما أعلى، مشيراً إلى أن الحاصلين على الشهادات الجامعية قد يعانون من تلك الأزمة بنسبة أعلى من الأميين.
وأوضح القشعان أن أغلب الفتيات الكويتيات المتزوجات يفقن الرجال بالتحصيل العلمي، مشيراً إلى أن نسبة المتزوجات الحاصلات على شهادات جامعية وصلت إلى 72 في المئة، مؤكداً أن تسلح المرأة بالعلم والمعرفة يجعلها لا تخشى العيش من دون رجل.
من جهته، استشهد الاستشاري الأسري الكاتب محمد رشيد العويد بدراسة نشرتها وكالة «رويترز»، وتبيّن أن 70 في المئة من إجمالي حالات الطلاق الآن، ترجع إلى رغبة الزوجات في الانفصال، وأن 86 في المئة من طالبات الطلاق من المثقفات، مشيراً إلى تأكيد نائبة مدير وحدة التنمية الاجتماعية في سنغافورة سوزان شان، أن نسب الطلاق سترتفع بسبب العمران، وارتفاع مستوى التعليم.
وأوضح أن تلك الدراسة تفيد بأن الأمور الحسنة أدت إلى أمر ليس حسنا، فالثقافة والتعليم والعمران والطموح تعد من الأمور الحسنة، لكنها زادت من الطلاق بدلاً من أن تقلل منه، واعتبر أن الجامعات والمعاهد علمت المرأة كيف تكون مدرسة مجتهدة، وطبيبة ماهرة، وسكرتيرة مُتْقِنة، لكنها لم تعلمها كيف تكون زوجة سعيدة وربة بيت ناجحة.
وأشار إلى أن الثقافة الشائعة أقنعت المرأة بأن تكون ذات شخصية مستقلة لا تخضع لأحد، فما عادت تطيع زوجها كما كانت تفعل في الماضي، ولأن الطموح جعل آمال المرأة معقودة على جمع المال، وتحقيق الشهرة، ومشاركة الرجل في كل أعماله، مما أدى إلى فقدها للبيت الذي كانت تشيع فيه الحب والسرور، وتنشر فيه الرضا والأمان.
وخاطب العويد المرأة قائلاً «إن نجاحك في إقامة دعائم بيت مستقر آمن، أهم من نجاح المهندس في ورشته، ومن نجاح الطبيب في عيادته، ومن نجاح العالم في مختبره، إن هؤلاء جميعاً مدينون في نجاحهم لك أنت، أيتها الأم، والأخت، والزوجة، فلا تجعلي علمك، وثقافتك ونجاحك في وظيفتك سبباً في طلاقك وانفصالك».
من جهته، قال عضو اتحاد المحامين العرب المحامي غازي أحمد إن الطلاق يعتبر ورماً خبيثاً ينخر في عظام المجتمع الكويتي، وعزا ذلك للقوانين الصادرة من وزارة العدل المتعلقة بالأحوال الشخصية، مشيراً إلى أن كل قانون يوضع في المجتمع لضبط العلاقات وحل المنازعات بين أفراد المجتمع، يقاس مدى نجاحه من عدمه عند بيان آثاره على المجتمع، فإن كانت المخرجات إيجابية، فنور على نور، وإذا كان سلبية، وجب على المشرع إعادة النظر في القانون.
وأكد أحمد أنه عند النظر لآثار قوانين الأحوال الشخصية، نراها وخيمة جداً على استقرار الأسر، وتلك القوانين سنت منذ سنوات طويلة جداّ، معتبراً أن ما كان يصلح لحقبة الثمانينيات حتماً لا يصلح في حقبتنا اليوم.
واعتبر أن المرأة الكويتية المتعلمة والموظفة، لا تجد حاجة تحتم عليها البقاء تحت سلطة الزوج، وبالتالي ينسجم هذا التطلع التحرري مع مواد القانون التي تساهم في تسهيل عملية الطلاق وهدم الأسرة، من دون مراعاة لمصلحة المجتمع والأسرة.
ورأى أحمد أن النساء ذوات التحصيل العلمي المتواضع هن من فئة كبار السن، اللواتي يختلفن اختلافاً ثقافياً كبيراً عن النساء اللواتي يصغرنهن عمراً، من حيث إنهن أكثر تمسكاً بالعادات والتقاليد، والرضا، والعرف، لذلك لانجد حالات طلاق كثيرة بين من هم أكبر سناً، وأقل ثقافةً.
من ناحيتها، رأت المستشار القانوني للمنظمة العالمية لحماية الطفل «FAAVM» والسفيرة الدولية لشؤون حقوق الإنسان المحامية آلاء السعيدي أن سبب ارتفاع نسبة الطلاق بين الجامعيين يعود إلى انتشار الوعي بشكل أكبر، ومعرفة كل طرف لحقوقه وفقاً للشرع والقانون، إضافةً إلى وجود عامل وسائل التواصل الاجتماعي الذي ساهم في زيادة حالات الطلاق، مشيرةً إلى أن الأميين لا ملاذ لهم إلا بيت الزواج، أما المتعلمون فيملك كل منهم حياتهم العملية والعلمية المستقلة، ولكل منهم دائرته الخاصة بالعمل والاصدقاء.
وأكدت السعيدي أن قوانين الأحوال الشخصية استندت، واستمدت من الشريعة الإسلامية، فلا يمكن أن تكون سبباً في تشجيع النساء المثقفات، والمطلعات على القانون، والمدركات لحقوقهن، على الطلاق، مشيرةً إلى أن الرجل ينفق حتى وإن كانت الزوجة على ذمته، وفي بيته، فإن لم يلتزم بواجباته الزوجية، واستمر بإهماله، وعدم تحمل المسؤولية، تلجأ المرأة للمحكمة التي تنصفها بإتاحة الفرصة لها في رفع قضية طلاق للضرر، التي تلزم بموجبها الرجل بتوفير سكن مستقل، وكسوة للزوجة والابناء، وانفاقه عليهم وفقاً لإمكاناته المادية إن تم الطلاق.
بدوره، طالب عضو هيئة التدريب في معهد الكويت للمحاماة والدراسات القانونية والمدرب القانوني المعتمد والمحكم الدولي المعتمد المحامي مجبل الشريكة، وزارة العدل متمثلةً في إدارة الاستشارات الأسرية ببذل جهد أكبر للحد من قوع الطلاق، من خلال نصح الأزواج بالقيام بواجباتهم الأسرية، وتحمل المسؤولية، والتعامل بحكمة من دون تسرع.
وأشار الشريكة إلى أنه كان من الأجدر أن يكون المتعلمون أقل سعياً للطلاق من الأميين، نظراً لادراكهم بمدى الأضرار المترتبة على الطلاق، لكن الأرقام تشير إلى عكس تلك النظرية، وأكد أن المصيبة الكبرى هي أن يكون أكثر من يحرض على الطلاق هم أيضاً من أصحاب حملة الشهادات الجامعية، لافتاً إلى سوء استخدام بعض المحامين لبرامج التواصل الاجتماعي، الذين يعلنون من خلاله عن كسبهم لقضية طلاق ربحوا من خلالها ما لا يقل عن 10 آلاف دينار، مما يشجع بعض النساء على الاقدام لطلب الانفصال من أزواجهن.
وعن الأميين، قال الشريكة إنهم أقل سعياً للطلاق من المتعلمين بسبب عدم معرفتهم واطلاعهم على القانون، وعدم مواكبتهم لبرامج التواصل الاجتماعي وخاصةً «تويتر»، الذي لعب دورا كبيرا في نشر ثقافة الطلاق، وأكد أن القوانين التي تعني الأسرة والأحوال الشخصية، لم تتغير أو تتعدل منذ 1984، مما يدل على أن لا علاقة للقانون بما يحصل، بل أن وزارة العدل تسعى دوماً للحد من هذه الظاهرة من خلال إنشاء محاكم خاصة بالأسرة تساهم في وقف ارتفاع أعداد حالات الطلاق في الكويت.
الراي