أحوال الثقافة والفن

جاسم النبهان: المسرح يحتاج فسحة حرية

استرجع الفنان القدير جاسم النبهان جوانب كثيرة من حياته الفنية والاجتماعية، مستحضراً عهد تألق وريادة المسرح الكويتي في ظل المناخ المشجع آنذاك، والمتمثل في المرونة وتفهم الرقابة، ودور الثقافة المسرحية التي كانت نواة بزوغ نجومية فنانين كثر، إلى جانب الحراك المدرسي الداعم.

حوار النبهان ذو الشجون شارف على الساعة ونصف الساعة، وشهد مداخلات عدة، حينما حل ضيفا في «حديث الإثنين»، أول من أمس، في القاعة المستديرة بمركز الشيخ جابر الأحمد الثقافي، ضمن فعاليات الموسم الثالث، وأدارت الحوار الناقدة الزميلة ليلى أحمد، التي نوهت بحضور النبهان بالرغم من أنه قام في اليوم نفسه بإجراء عملية لإحدى عينيه، لكنه التزم بوقته ولم يعتذر، لافتة إلى أنه بمنزلة الممثل الذي يندمج مع دوره في الشكل والحس والصوت والإيماءات، ويتحول إلى ناطق رسمي باسم الشخصية الدرامية، وهي من النظريات الصعبة التي نجدها لدى فنانين عرب وخليجيين، بينهم سعد الفرج، وموهبته لم تأت من فراغ، بل هي شكلت شخصيته.

بدايات المسرح

تحدث النبهان قائلا: «اليوم نحن نفخر بهذا المنبر الرائع المتمثل في مركز الشيخ جابر الأحمد الثقافي، فهو مفخرة لنا كفنانين كويتيين وخليجيين، وأتمنى ان يكون لنا نصيب في النشاط في إحياء هذا المكان، مثلما كان لنا في دور العرض المسرحي، التي أسست في بدايات الحركة المسرحية بالدولة الحديثة في الكويت، مثل مسارح كيفان والشامية والدسمة، إلى جانب مسرح الأحمدي، الذي كان يضم مسرحين لشركة النفط آنذاك، إضافة إلى الحركة الفنية والنادي الأدبي والمدارس وغيرها، التي كانت حافزا داعما للفن الكويتي».

وعاد النبهان إلى بداياته وذكرياته مع الفن، فقال إن مناخ الماضي كان رائعا في تكوين شخصيته الفنية، وكانت في منطقة «جبلة» طبقات متعددة، فيهم الغني والفقير، وثقافة وبحر وبيوت قديمة ذات هيئة جميلة، وثمة من يحب ويدعم الثقافة، إلى جانب العامل الاقتصادي، ودور التجار الذين دعموا الثقافة والتعليم.

وأضاف أن هذه الحياة الحديثة واكبت قيام السينما في البيوت بعرض أفلام عدة ما بين عامي 1953 و1954، وكانت تأتي من مصر وأوروبا، وننتقل بمشاهدة الأفلام من منزل إلى آخر، وكانت تلك العملية جزءاً من تثقيف المجتمع، لافتا إلى دور المسرح والنشاط المدرسي والكشافة في تنمية موهبته الفنية، فكان التمثيل يجري في الحي، وكانت المكتبة والمسرح والمسؤول والكشاف حاضرون. مجتمع متفتح وذكر النبهان أنه تأثر كثيراً بالمدرسين الذين علموه المواد كافة ومنها العربية، مشيرا إلى أنه لم تكن هناك معارضة بمنزله تجاه الفن، وكان شقيقه يكبره بعشر سنوات تقريبا، لكنه متفتح، كما ان الحي الذي يقطنه كان متفتحا، ولا وجود للتزمت، وهذا ما ساعد على ظهور جيله كفنانين، إلى جانب ان كبار السن بالنسبة إليه وزملائه كانوا مدارس متنقلة يُتعلم منها. وبيّن أنه في حقبتي الخمسينيات والستينيات وإلى منتصف السبعينيات، كان زمن النور بالنسبة للمسرح والفن الكويتي بشكل عام موجودا وسائدا، وكانت لدينا أربعة مسارح، وكل مسرح يوجد فيه ما لا يقل عن سبعة إلى ثمانية عناصر نسائية، والمجتمع كان لا يرفض المسرح، فالفنانون الكويتيون من عائلات معروفة وبارزة في المجتمع، مثل خالد النفيسي وعبدالحسين عبدالرضا وعبدالرحمن الضويحي وسعد الفرج وعبدالعزيز المسعود وغيرهم، وأيضا عقاب الخطيب ومحمد النشمي اللذان قاما بتأسيس فرقة المسرح الشعبي عام 1954 من خلال فرقة الكشاف الوطني، وكان المسرح يتناول المجتمع وأشبه بالجريدة اليومية، وأدت المسارح رسالتها وارتقت بالفن المسرحي ذي الموروث الشعبي.

إنعاش مسرحي

وطالب النبهان المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب بالعمل على تنشيط المسارح الأهلية الأربعة، وإنعاش الحركة المسرحية، داعيا إلى القيام بعرض العمل المسرحي الفائز في مهرجان الكويت المسرحي جماهيرياً، مبيناً أن المسرح ليس للنخبة فقط بل للشارع، معبرا عن أسفه الشديد لعدم زيادة ميزانيات المسارح الأهلية المتمثلة بـ15 ألف دينار في العام الواحد، بينما جمعيات نفع عام تستلم المخصص المالي الذي لا يقل عن 30 ألف دينار، لا سيما ان العمل المسرحي يحتاج الصرف والتكاليف.

فرقة قومية

وتمنى النبهان ان يجري استقطاب خريجي المعهدين العالي للفنون المسرحية والموسيقية من قبل أنشطة وفعاليات المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، مطالبا القائمين على مركز الشيخ جابر الأحمد الثقافي بإنشاء فرقة قومية للمسرح، وألا تكون محصورة في الفن المسرحي والتمثيل والإخراج والتأليف فحسب، بل يجب أن تتضمن الموسيقى والموروث الشعبي والتراث. وأضاف ان الفن يحتوي صداقات حقيقية مثله مثل كل مجال، لافتا إلى أن فرقة المسرح الشعبي تعمل بيد واحدة، فنحن نقضي أغلب وقتنا في المسرح أكثر من منازلنا، ولقد اكتسبنا الثقافة المسرحية من عبدالرحمن الضويحي، متمنياً للجيل الجديد كل التوفيق والنجاح.

«زهيريات»

النبهان وتفجّرت ذائقة الفنان النبهان الشعرية في كتابة «الزهيريات»، فأنشد عدداً منها وسط تفاعل الحضور، وقال معلقاً: «لقد برزت موهبتي الشعرية من الجو العام السائد آنذاك في المسرح، كما كان هناك دور للمدرسة، لافتاً إلى أن أول قصيدة كتبها كانت عام 1960، عندما كان يسير وقت المساء بمحاذاة نقعة الخرافي في يوم البحار، ولقد شاهد منازل متهدمة في «الفريج»، فكتب:«عصرية قبل المغرب.. والشمس تلمع وبتغرب.. شوي الجو صار احمر والبحر قام يشيل ويضرب». وأشار إلى أن المسرح يحتاج الى فسحة من الحرية، لكن هناك رقابة غير واقعية، فقد كنا في زمن نور والآن ظلام، والكويت كانت افضل بكل المجالات، مبينا ان الحكومة اليوم تريد مواكبة خطة 2035، داعيا الى ألا تكون إنشائية فحسب، ويجب أن تكون هناك مواكبة بشرية لكون الفنان الكويتي جزءا من التنمية، ويجب مراعاة ذلك. «قبل لا يكبر طيره» وعن عدم خروج مسرحية «قبل لا يكبر طيره» إلى النور في مرحلة التسعينات، أجاب النبهان قائلا«الذي منع مسلسل الاعتراف من الظهور هو من منع هذا العمل، رغم ان المؤلف الراحل عبدالأمير التركي كلمني بهذا الجانب وكانت الترتيبات تسير على ما يرام لكن فجأة توقف كل شيء»، مشيرا إلى ان المؤلف التركي كان قريبا من مفردة المجتمع الكويتي، وأعماله تحمل الوحدة الوطنية، كما بين النبهان ان فيلم «لا ثمن للوطن» أنتج إبان تولي بدر اليعقوب حقيبة وزارة الإعلام وشاركنا به في القاهرة، لكن التلفزيون لم يعرضه لاحقا، كما عبر النبهان عن استغرابه لعدم عرض مسلسل «لا موسيقى في الأحمدي» بالتلفزيون لأسباب غير منطقية، رغم ان كاتبته فازت بجائزة الدولة التقديرية. الكويت زمان وتحدث النبهان عن البحر والذكريات الكثيرة، عندما صار «القحط» في العالم قبل سنوات طويلة اتجه الناس إلى الكويت نحو الأمن النفسي والغذائي والتكافلي، وجاؤوا إلى الكويت التي فيها فسحة من الحرية وتقبل الرأي والرأي الآخر آنذاك، معبرا عن حزنه وأسفه لإزالة مواقع وأماكن أثرية وتاريخية بينها 29 نقعة من البحر.

خاجة: النبهان بطل عملنا المسرحي في الموسم المقبل كانت هناك مداخلة لافتة لمدير مركز الشيخ جابر الأحمد الثقافي فيصل خاجة، الذي أعلن ان الفنان جاسم النبهان سيشارك في عمل مسرحي ضخم في الموسم المقبل، وتم الاتفاق معه على الفكرة الرئيسة، وسيكون العمل مفاجأة في افتتاح الموسم القادم، مثمنا حضور النبهان رغم العملية الجراحية التي أجريت له. ولفت خاجة إلى انه في بدايات الدولة الحديثة، كان مبررا أن يتم الانفاق بشكل كبير على الرياضة والثقافة والمسرح وإنشاء الفرق المسرحية، لكن كان من الصعب استمراره لانه يمثل عبئا على الدولة، مشيرا إلى دور القطاع الخاص، وهو نموذج متعارف عليه في العالم.

القبس الالكتروني

إغلاق