أخبار
2/ 8/ 90 الخميس الأسود
بقلم : د/ يوسف العميري
2/ 8/ 90 الخميس الأسود
أما قبل..
المتاحف الوطنية تلعب دورًا حيويًا في توثيق ذاكرة الشعوب والأوطان، حيث تشكل جسرًا يربط بين الماضي والحاضر. إنها ليست مجرد أماكن لعرض القطع الأثرية والمقتنيات القديمة، بل هي مستودعات للذاكرة الجماعية التي تحفظ قصص الأجداد وتجاربهم، وتقدم للأجيال الجديدة فهمًا أعمق لتاريخ بلادهم. من خلال العروض التفاعلية والوثائق التاريخية، تتيح المتاحف للزوار فرصة التعرف على الأحداث الكبرى التي شكلت هوية الوطن وأسهمت في بنائه.
وأما بعد،
منذ أربعة وثلاثين عامًا، وتحديدًا في الثاني من أغسطس عام 1990، كان يوم خميس، وكانت معظم الأسر الكويتية خارج الكويت لقضاء عطلة الصيف نظرًا لحرارة الطقس الشديدة في هذا الشهر. أما من كانوا في الكويت، ومنهم أنا، فقد كنا ننام نومًا عميقًا في بلد يسوده الأمن والأمان.
لم يخطر ببال أحد أن الجار والصديق والأخ، الذي وقفنا معه سنوات في حربه مع إيران وقدمنا له كل ما نملك من مال وعتاد وغذاء على مدى أكثر من 12 عامًا، سيغزونا فجرًا ونحن نائمون في أسِرَّتنا. جاء إلينا مع جيش جرار، كما لو كان يدخل تل أبيب لتحرير فلسطين من الصهاينة، الذين طالما نادى بتحريرها وهدد بتدمير إسرائيل، وصدقناه.
دخلوا الكويت، وقتلوا، وسرقوا، ونهبوا البلد الآمن. نعم، ارتكبوا مجازر وجرائم مشابهة لما ترتكبه إسرائيل الآن في غزة؛ حيث اعتقلوا الأبرياء، واغتصبوا النساء، وحرقوا البيوت، وقادوا الشباب والشابات أسرى إلى بغداد.
هذا ما حدث في 2/8/90، وحاولنا توثيقه للأجيال وللتاريخ حتى لا تتكرر هذه الجريمة النكراء، وذلك من خلال بانوراما ومتحف يغرس في نفوس الأجيال كيف خرج الكويتيون للنضال.
إنه «بيت الكويت للأعمال الوطنية»، هذا الصرح الذي بنيناه ليكون شاهدًا على التاريخ، ومخلدًا لذكرى بينت المعدن الأصلي لشعب الكويت والشعوب الشقيقة والصديقة. ولكن يا للأسف، جاءت الدولة وبدلاً من أن تدعم هذا العمل الوطني وتهتم به، والذي كان يستقبل أكثر من 200 زائر يوميًا، فضلاً عن وفود من كل حدب وصوب، تُرِكت الكهرباء تقطع عن هذا البيت ليُنسى ما حدث! إن التاريخ، يا سادة، لا يُشطب ولا يُمحى، والأمم تُقاس بتاريخها وكفاح شعبها، وليس بـ «قهوة بيومي» مع الاحترام لأي عمل فني هادف.. لكن يبدو أن المسؤولين يؤمنون بالمثل الشعبي «اللي تحتاجه قهوة بيومي يحرم على بيت الكويت»، عذرا أقصد «اللي يحتاجه البيت يحرم على الجامع».
إنني وأنا أستذكر هذه الذكرى الأليمة، أناشد الشرفاء من أبناء وطني، أناشد كل أم وأب وابن وزوجة لشهيد، أن يعملوا معنا على إبراز دور هؤلاء الأبطال. الموضوع ليس فقط مبالغ يصرفها مكتب الشهيد أو جناح فاشل لمعرض فاشل لمنفعة البعض، إنني أناشدكم بعد أن يئست من المجلس الوطني للثقافة والفنون وبعد أن يئست من وعود امتدت لأكثر من أربعة وزراء إعلام بحل المشكلة وإعادة الأمور إلى نصابها، لكنها لم تتحقق.
إن مؤسسات وأجهزة الإعلام والثقافة منشغلة بأمور أخرى، ويبدو أن آخر همها هو الوطن وتاريخه وكفاح شعبه، وليس ضمن أولوياتها ذاكرة الوطن ونقل التاريخ بشكل دقيق وحقيقي للأجيال الجديدة. فلا مكان لديهم لمتاحف تمثل ذاكرة هذا الوطن. فالمهم بالنسبة لهم هو الرتب والامتيازات والرواتب، أما الوطن والشعب فلهم رب هو الكريم.
في الختام، أذكر بأن أي محاولة لتهميش المتاحف الوطنية أو تقليص دورها يعتبر انتهاكًا لحق الشعب في معرفة تاريخه وفهم جذوره. يجب أن تكون هذه المتاحف جزءًا لا يتجزأ من سياسات التعليم والثقافة، وأن يُخصص لها الموارد اللازمة للحفاظ على محتوياتها وتطويرها. فلا يمكن للأمم أن تتقدم وتزدهر إلا إذا كانت متصلة بماضيها، ومدركة لأهمية هذا الماضي في تشكيل مستقبلها.
وللحديث بقية..