أحوال الكويت

ورحل الباذل الصامت

رحل بصمت رحمه الله.. وهذه المرة سأكتفي بوصفه بالمحسن الكبير الباذل الصامت، احتراماً لرغبته الشديدة في حياته، رغم أن إعلان الإحسان من حقه المشروع كوضع الاسم على المسجد أو المدرسة أو المركز الإسلامي الذي بناه أو أي مرفق خيري، بغية الدعاء له من المستفيدين من هذا المرفق وغيرهم، وهذا ما جرت عليه الأغلبية، إلا أنه رحمه الله كان يشكل نموذجاً فريداً قلّ نظيره. ورغم أنني لدي مندوحة وعذري مقبول من مخالفة رغبته الآن، لأنه كان رحمه الله يتأول قول المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم «ورجل تصدق بصدقة أخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه»، إلا أنني وبالمقابل بعد وفاته أتأول أيضاً حديث المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم: «اذكروا محاسن موتاكم» ليتغير الموقف من إعلان الإحسان بزاوية مئة وثمانين درجة.
وبلا مبالغة أنفق رحمه الله مئات الألوف من الدنانير، إن لم يكن الملايين، في أعمال الخير على مدى حياته منذ بداياته، سيما وأنه كان منذ شبابه تاجراً له وضعه المادي الثقيل، وينتمي إلى أسرة عُرفت بالتجارة الحرة بشكل أكثر من الوظائف العامة، وقد شهدتُ له في بعض كتبي بشكل عارض بين سائر المتبرعين من أهل الكويت في لجنة شعبية مهمة، كان لها دورها الرائد في قيادة العمل الخيري في المراحل الأولى من عهد الطفرة الاقتصادية الحديثة، باعتبار الاعتراف الرسمي بها واستعانة الدولة بها كي تكون ذراعاً شعبية لعمل الخير والإحسان في دولة الكويت.

لقد كان رحمه الله يبني المسجد في أفخم شكل وأكبر حجم ولا يسميه باسمه، بل يسميه باسم غيره ممن تحددهم وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية كراعية للمساجد في دولة الكويت.

وكم كان يدعم الفقراء بشكل مباشر دون مَنّ ولا أذى، وكم كان يدعم بعض مؤسسات العمل الخيري في الكويت دون إعلان ولا كاميرات ولا ميكروفونات، وقد حاولت في حياته توثيق إحسانه إلا أنه رحمه الله تعالى كان يرفض رفضاً قاطعاً، وقد وَرّثَ هذا الرفض لإعلان الإحسان لذريته من بعده الذين تشربوا هاتين الخصلتين منه وهما: الإحسان والكتمان المقترنان.

رحمه الله تعالى رحمة واسعة، وجعله في الجنة خير مرزوق انه سبحانه هو الوهاب.

د. عبدالمحسن الجارالله الخرافي

المصدر : صفحتي

إغلاق